لقد أمرنا الله سبحانه وتعالي بتقواه وخشيته والخوف منه عز وجل، وإن من فضائل التقوى المستنبطة من القرآن هي الهدى والمغفرة والعلم وهو علما تفرقون به بين الحق والباطل والهدى والضلال والحلال والحرام، والخروج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب، والنصرة، والولاية، والمحبة، وتيسير الأمور، وغفران الذنوب وإعظام الأجور، وتقبل الأعمال، والفلاح، والبشرى، ودخول الجنة، والنجاة من النار، والمفلحون هم الذين اتقوا ربهم سرّا وعلانية، وأنفقوا مما رزقهم ربهم، كما قال تعالى في وصف المتقين الذين يهتدون بالقرآن وينتفعون بمواعظه " ومما رزقناهم ينفقون" وليس المراد بالإنفاق هنا ما يسمونه بالكرم والجود وقري الضيوف، وذبح الذبائح، لقصد السمعة والمدح كلا، فهذا تبذير وإنفاق في سبيل الشيطان والسمعة والعوض والجاه لا في سبيل الله.
وإنما المقصود بالإنفاق البذل الناشئ عن شعور بأن الله تعالى هو الذي رزقه وأنعم عليه به، وأن الفقير المحروم عبد الله يستحق النفقة والشفقة والعطف والبذل والرحمة، وكذلك البذل للأيتام والمساكين والمحاويج، وكذلك البذل في مصالح المسلمين ومنافعهم والرفع من مستواهم ومستوى بلادهم، وقد أوجب الله تعالي على من أوتي مالا أن ينفق منه في ذلك السبيل، وهو أفضل سبل الله، فيجب بذل المال في سبيل الخير والإنشاء، والمشاركة في إنعاش الفقراء والمساكين، فمن وجد من نفسه ميلا إلى ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى وقياما بشكره ورحمة لأهل العوز والبائسين من خلقه فهو بدون شك قابل لهداية القرآن، وقد أسلم إلى الله تعالى وأناب لأنه بذل أحب الأشياء إليه، وهو ماله في سبيل الله، فهو خليق برحمة الله وقبوله.
وإن مكانة المسجد في المجتمع المسلم تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي، فهو ساحة للعبادة ومدرسة للعلم وندوة للأدب وقد ارتبطت بفريضة الصلاة وصفوفها أخلاق وتقاليد هي لباب الإسلام، والمسجد الذي وجه الرسول صلى الله عليه وسلم همته إلى بنائه قبل أي عمل آخر بالمدينة، ليس أرضا تحتكر العبادة فوقها، فالأرض كلها مسجد والمسلم لا يتقيد في عبادته بمكان إنما هو رمز لما يكترث له أعظم اكتراث، ويتشبث به أشد تشبث وهو وصل العباد بربهم وصلا يتجدد مع الزمن ويتكرر مع أناء الليل والنهار، فلا قيمة للمسلم إذا لم يكن دائم الاتصال بالله عز وجل يتذكر دائما لقاءه، ويتمسك بالمعروف ويبغض المنكر، فلا قيمة لإنسان يخلط المعروف بالمنكر، فالصلاة في المسجد يتجدد معها الاتصال بالله تعالى، ويقوى الانتماء لدين الله عز وجل.
فالمسجد مؤسسة إسلامية لعبت دورا بارزا عبر التاريخ، لدرجة أصبح المسجد معها يعد النبع لكل روافد الحياة التي تجري في شرايين المجتمع الإسلامي، ولعلنا نتساءل عن سر نجاح المسجد في أداء رسالته ومهمته في الصدر الأول، فنجد أن سر نجاحه يرجع أساسا إلى فهم المسلمين المستقيم لحقيقة وطبيعة الحياة الدنيا ولرسالة الإنسان فيها، فلم يحدث انفصام في شخصية المؤمن بين الدين والدنيا أو بين الروح والجسد أو بين المسجد والمجتمع، بل لقد عاش المسلمون الأول في سياج الإسلام بالمعنى الشامل فعلت بهم راية الإيمان ورفعوا منارة التوحيد ونشروا لواء العدل وجعلوا كلمة الله هي العليا ومن أجل ذلك شرع الأذان الله أكبر الله أكبر النغمة العلوية التي تدوي في الآفاق كل يوم خمس مرات والتي ترتج لها أنحاء الوجود.