لقد أوصي الله عز وجل باليتامي، وحثنا الإسلام علي مراعاتهم والإحسان إليهم، وإن أحسن وضع ينشأ فيه اليتيم هو الأسرة بدلا من الملاجئ الجماعية، فإن عمل المسلمين منذ عهد الصحابة الكرام سار على هذا، فكانت الأسر تتولى كفالة اليتيم وخاصة أقاربه من الإخوة والأعمام والأخوال، وقد يتولى كفالته رجل صالح أجنبي عنه، وقد تتولاه أمه إذا مات أبوه، أو يتولاه أبوه إذا ماتت أمه، ولم تكن الملاجئ الجماعية شائعة، وإن كانت موجودة في بعض الأحيان، فإن هذا الاختيار الذي مضى عليه الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن بعدهم من المسلمين طرح سؤالا عند بعض الصحابة فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن الكريم يجيبهم والسؤال هو هل إذا تولى المسلم كفالة يتيم في بيته يعزل طعامه.
أو يكون طعامه وطعام أهل البيت واحدا، وقد رفع سبحانه الحرج عن المسلمين فأجاز مخالطة هؤلاء الأيتام في الطعام وغيره، إذا لم يكن ذلك ذريعة للتحايل على أموالهم وأخذها ، فقال الله تعالى كما جاء في سورة النساء " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يصلح المفسد من المصلح" ولقد كان بعض المسلمين إذا اضطر للأخذ من مال اليتيم بقصد الإنفاق عليه ليجعله سلفا في ذمته يعيده إليه عندما يستغني وهذا من الورع، كما أن القضاة في تاريخ الإسلام يراقبون الكفيل، ويفرضون له إذا كان فقيرا مبلغا محددا حتى يمنعوا التوسع والإسراف في صرف أموال اليتيم، وقد اجتمع في هذا المقام أمر ونهي، فالأمر بكفالة اليتيم حتى يكبر، والنهي عن أكل ماله ظلما، وحتى لا يخاف المسلم من هذا العمل جاءت هذه الرخص عند ممارسة الكفالة.
والمبدأ ثابت وهو النصح لليتيم وابتغاء مصلحته والاجتهاد في ذلك بقدر الوسع والطاقة، واليوم، إضافة إلى الدور الاول الذي تقوم به الأسر والعائلات في ضم الأيتام إليها وإدماجهم ضمن أفرادها، تقوم عدة جمعيات اجتماعية برعاية الأيتام، وتتلقى مساعدات للقيام بهذه الرعاية، وبعضها يعلن عن المبلغ المالي اللازم لكفاية اليتيم مدة شهر أو سنة، ويدعو الناس للمشاركة بالمال، وتكون الجمعية وسيطا بين المتبرع والقائم على كفالة اليتيم، وبذلك يتعاون صاحب المال بماله وصاحب الجهد بعمله، وهذه الجمعيات مثل الأفراد والأسر مطالبة بالعدل مع هؤلاء الأيتام، وما يصرف إليها باسمهم هو أمانة عندها، لا يجوز أن تتصرف فيه بخلاف مصلحتهم، واليتامى هم أمانات في أيدي الجمعيات وعموم المسلمين وإهمالهم أوأكل أموالهم خيانة لهذه الأمانات.
وسوف يحاسبون عليها أمام الله عز وجل، فإن الإسلام عندما جعل أكل مال اليتيم من السبع الموبقات نظر إلى الفعل في نفسه وإلى ما يترتب عليه، حتى لا يسيء أحد لهذا العمل النبيل، الذي ينظر إليه الناس نظرة تقدير واحترام، فجاء ذلك الوعيد الشديد في مثل قوله تعالى " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" وإن تعريف اليتيم فى اللغة هو يُقصد بالانقطاع والانفراد، ويراد به انقطاع الصغير عن أبيه وانفراده عنه، ويقال للصبى يتيم، وللأنثى يتيمة، وتطلق صفة اليتم على مَن هو دون سن البلوغ، وتعريف اليتيم اصطلاحا اليُتم في الاصطلاح يقصد به انقطاع وانفصال الصغير عمن يرعاه ويدبر أموره ويقضي حوائجه، إذ إن حاجة الصغير لمن يرعاه حاجة ضرورية لا بد منها.